احمد وائل عمر - القاهرة في الجمعة 26 ديسمبر 2025 12:31 مساءً - يستعرض كتاب « الاتزان الاستراتيجى »، الذى أصدرته وزارة الخارجية، ملامح السياسة الخارجية لمصر فى محيطها العربى وكيف استعادت زمام المبادرة.
ويوضح الكتاب أن السياسة الخارجية المصرية استعادت زمام المبادرة، بعد أن شهدت المنطقة العربية منذ عام 2011 واحدة من أكثر مراحل الاضطراب السياسي والأمني في تاريخها الحديث، كما استعادت السياسة الخارجية حركتها النشطة في أعقاب ثورة يونيو 2013.
أولويات مصر تجاه الدول العربية
وتضع السياسة الخارجية المصرية نصب أعينها هدفين أساسيين تجاه المنطقة العربية خلال تلك السنوات، هما مساعدة الدول العربية التي مرت بأزمات داخلية سياسية وأمنية واقتصادية حادة، على استعادة استقرارها، ودعم جهود الدول العربية الأخرى للحفاظ على استقرارها وعدم امتداد مخاطر عدم الاستقرار وما يرتبط بها من تحديات إرهابية إليها، إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية ليتكامل مع جهود التنمية الوطنية التي أطلقتها.
ومنذ 2014، تحركت مصر انطلاقاً من مبادئ الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول العربية وسلامتها الإقليمية، ورفض أي تدخلات خارجية في شئونها، والتمسك بدعم وتطوير مؤسسات الدولة الوطنية، ورفض الفراغ السياسي والأمني، ودعم الطموحات المشروعة لشعوب الدول العربية التي تمر بأزمات.
القضية الفلسطينية محور السياسة المصرية
واستعرض الكتاب أهم التطورات التي شهدتها السياسة الخارجية المصرية في المحيط العربي خلال السنوات العشر الماضية، ومنها القضية الفلسطينية التي ظل خلالها الموقف المصري ثابتاً مركزياً من ثوابت السياسة الخارجية المصرية، وجوهره أن الحل العادل للقضية الفلسطينية يعد الشرط الضروري لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وتفعيل الحق الأصيل للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعقب اندلاع الحرب الأخيرة في 7 أكتوبر 2023 .
وتركزت الأولوية المصرية على جهود الوساطة من أجل التوصل لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار أو لتحقيق هدنة مستدامة بالحد الأدنى، والتصدي لمحاولة اختزال القضية في مأساة إنسانية أو في ترتيبات أمنية مؤقتة لوقف الحرب في غزة، وأنه لا بديل لحل الدولتين، كما قادت مصر جهود التصدي لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية والسعي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، ونجحت في حشد إجماع عربي وإسلامي ودولي مساند بشكل حاسم للموقف المصري في هذا الصدد الامر الذي اجهض مخطط التهجير الذي كان بمثابه تهديد بوجودي للشعب وللقضيه الفلسطينيه.
كما استعرض الكتاب، العلاقات المصرية الليبية في ضوء التاريخ العميق من العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين والاعتبارات الاستراتيجية لدولتين تتشاركان حدوداً بطول يفوق الألف كيلومتر، ولم تحد مصر عن الثوابت التي تأسست عليها رؤيتها لتسوية الأزمة الليبية، والتي تتلخص في الحفاظ على وحدة واستقرار ليبيا وسلامة أراضيها والرفض القاطع لأي محاولة للمساس بالسلامة الإقليمية لليبيا، أو الحديث عن توجهات انفصالية أو نزعات لتقسيم ليبيا، والتمسك بملكية الليبيين الخالصة للعملية السياسية، وعدم التسامح مع أي محاولات للتدخل في الشأن الداخلي لليبيا، والتأكيد على أن التوافق الليبي هو الشرط الأساسي لاستدامة أي حل سياسي، ودعم وتعزيز دور المؤسسات الليبية الوطنية الشرعية، والسعي لتوحيد المؤسسات التنفيذية والاقتصادية والأمنية في إطار وطني جامع، ودعم ما توافق عليه ممثلو الشعب الليبي من إعادة تكوين السلطة السياسية في ليبيا بشكل حر وديمقراطي من خلال إجراءات الانتخابات الرئاسية والنيابية بالتزامن ووفقاً للصيغة التي أقرها نواب الشعب الليبي.
وتضمنت السياسة الخارجية المصرية أيضا العلاقات مع السودان، التي شهدت بعد تولي السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية، زيارات متتالية بوتيرة لم تحدث في تاريخ البلدين الحديث، وتقوم رؤية استراتيجية القيادة السياسية في مصر على إقامة علاقات تفاهم وتعاون عميقة على المستوى الاستراتيجي مع السودان، بالتوازي مع تطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة والعمل على إحداث نقلة نوعية في مختلف مجالات التعاون القطاعي.
وكان حرص السيد رئيس الجمهورية على أن يكون السودان من أوائل الوجهات الخارجية لسيادته بعد توليه المسئولية خير تعبير عن عمق العلاقات المصريه السودانيه وخصوصيتها ، وتضمنت الزيارات المتبادلة اتفاقيات لتوقيع اتفاق إعلان المبادئ حول السد الإثيوبي، وانعقاد اللجنة المشتركة بين البلدين في القاهرة في 2016، وافتتاح معبر قسطل التجاري، وبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على كافة الأصعدة، وعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصة تطورات الأوضاع بمنطقة الحدود السودانية الإثيوبية، والتحركات السودانية لبسط سيادة الدولة على حدودها الشرقية المتاخمة لإثيوبيا.
ودوليا، شارك السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان في 2021 ، حيث حدد الثوابت المصرية الأساسية تجاه السودان ، والمتمثلة في التأكيد على اقتناع مصر بأن أمن واستقرار السودان هو جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة، والتزام مصر بخيارها الاستراتيجي القائم على بذل كل جهد ممكن لدعم استدامة السلام والتنمية والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه، والتشديد على أهمية تكاتف المجتمع الدولي لمساندة السودان خلال المرحلة التاريخية الهامة التي يمر بها.
العلاقات مع الخليج العربي والأردن والعراق
وشهدت العلاقات المصرية الخليجية طفرة كبيرة على مدار السنوات العشر الماضية، حيث كانت دول الخليج على رأس الدول التي تفهمت ودعمت الحراك الشعبي الكبير في ثورة 30 يونيو 2013 ، وقامت السياسة المصرية تجاه منطقة الخليج العربي على دعامتين أساسيتين هما الحفاظ على أمن الخليج والاستعداد لتقديم الدعم بشكل حاسم للحفاظ على أمن دول الخليج عند الضرورة، ويبرز بشكل خاص الجهد المصري، سواء في مساندة المملكة العربية السعودية والانضمام للتحالف العربي في اليمن، والتضامن مع السعودية والإمارات في مواجهة الاعتداءات الحوثية، أو في إطار تأمين الملاحة في البحر الأحمر وفي المنطقة الممتدة من بحر العرب جنوبا إلى شرق المتوسط شمالا.
وأوضح الكتاب أن العلاقات المصرية الأردنية اتسمت بصلات وثيقة لعقود طويلة، وربما يعد معدل لقاءات القمة بين البلدين الأعلى في دبلوماسية القمم المصرية في الأعوام العشرة الأخيرة، الأمر الذي تفرضه التحديات المشتركة بين البلدين، كونهما الأكثر تضررا من التطورات التي لحقت بالقضية الفلسطينية، فضلاً عن تطابق رؤاهما تجاه الأزمات التي شهدتها دول المشرق العربي، أما العلاقات مع العراق تطورا كبيرا حيث كانت مصر من أوائل الدول التي قدمت الدعم فيها للعراق إدراكا منها لأهمية استعادة العراق لحاضنته العربية، وعودته للعب دوره الأساسي في إطار المنظومة العربية، وإضافة إلى ذلك العلاقات المصرية مع المغرب العربي الذي شهد تعاون وتطوير للعلاقات التجارية والاقتصادية وسياسيا فكن ذلك من ابرز ملامح الدبلوماسيه المصريه في الاعوام الاخيره.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية المصرية اللبنانية، استمرت الأطر المؤسسية للعلاقة بين البلدين في الانعقاد بانتظام، وقد لعبت مصر دورا مركزياً في تقديم الدعم للبنان في أعقاب انفجار ميناء بيروت عام 2020 ، حيث تم تدشين جسر جوي من المساعدات كاملة، وتقديم العلاج لمتضرري الانفجار، والاقتصار على تقديم المساعدات على الحكومة اللبنانية، وليس على حزب سياسي أو مجموعة طائفية معينة ، التزاما بالاستراتيجية المصرية القائمة على الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها في منطقة المشرق العربي.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع سوريا ، يؤكد الكتاب ارتباط مصر بعلاقات تاريخية واستراتيجية وشعبية عميقة مع سوريا، وبالتالي، فقد اعتبرت مصر أنها معنية بشكل مباشر بإيجاد تسوية سياسية سلمية للأزمة الممتدة التي شهدتها سوريا منذ عام 2011 ، بالتأكيد على حتمية الحوار والحل السياسي.
